كم هي طويلة قائمة المحظورات في ثقافتنا العربية؛ ويأتي الجنس وتداعياته كأحد أبرز العناوين في هذه القائمة الطويلة؛ نظرًا لأنه ما يزال فينا من ينظر إليه باعتباره رجسا من عمل الشيطان وجب اجتنابه.. ولكن كيف يتم هذا الاجتناب؟! بالعلم والنقاش العلني الموضوعي له، أم بالجهل والتعتيم والتستر على الجرائم المرتكبة من خلاله كما يطالب البعض؟ هل من المنطقي إزاء الجرائم الجنسية البشعة التي ترتكب كل يوم في مجتمعاتنا أن نتعامل مع الأمر بدس الرؤوس في الرمال، والمطالبة بالتستر عليها بدلا من المشاركة الفعالة في مواجهتها والبحث عن جذورها الحقيقية، وتوعية الناس بها؟
نفتح الآن ملف "التحرش الجنسي بالأطفال" كمحاولة للإسهام في كشف "مؤامرة الصمت والسرية" التي فرضت على هذا الملف، بدءًا من ندرة الحديث فيه، وصولا إلى تكتم كل من المجني عليه، وبطبيعة الحال الجاني في هذه الجريمة (التحرش)، وكذلك الأسرة في حال علمها.
نحن نفتح هذا الملف الآن –ولا ندعي الريادة- كحل علاجي لمن عانى مرارة التجربة، وظل أسيرًا لصمته وتستره على الأمر، فبات غريقًا في هواجسه واكتئابه، وفقدانه للثقة في نفسه وربما المجتمع، ونفتحه كحل وقائي بأن ننبه أذهان الآباء والأمهات بأهمية الحذر والحيطة، وتوعية أبنائهم بهذه الممارسات الشاذة التي ربما يتعرضون لها، والتي لا يعرفون من أين ستأتيهم.
أولا: حالات واقعية
ثانيا: أرقام عربية
ثالثا: من هو الطفل الضحية؟
رابعا: الآثار النفسية والجسمية
حالات واقعية
في السطور التالية نعرض لبعض الحالات الواقعية التي تعرضت للاعتداء الجنسي، والتي جمعناها من أطباء نفسيين ساهموا في علاج هذه الحالات، ونقلا عن مصادر مثبتة:
الحالة الأولى: يروي قصتها الدكتور "عمرو أبو خليل" أستاذ الطب النفسي، مدير مركز العلاج النفسي والاجتماعي بالإسكندرية – مصر، والتي أشرف بنفسه على علاجها، وهي لطفل عمره 10 سنوات؛ كان هذا الطفل قد تعرض لاعتداء جنسي على مدار سنة كاملة على يد شاب مراهق تجمعهما صلة قرابة، واكتشفت الأم الأمر بالصدفة بعد أن تراجع مستوى ابنها الدراسي، وساءت حالته الصحية، وأصبح أكثر انطوائية، ويذكر الولد أن عملية انتهاك جسده من قبل هذا المراهق استمرت طيلة هذه الفترة تحت سطوة التهديد المستمر له بفضحه، والبطش به إذا أفشى السر أو لم يستجب لرغباته.
ويمضي د.عمرو قائلا: كانت مهمة شاقة في علاجه وإعادة ثقته في نفسه من خلال محاولة تخليصه من عقدة الذنب التي أصبحت تسيطر عليه، فضلا عن عقدة القهر الناتجة عن الضغط الذي مارسه الجاني عليه، والذي يشعر الصغير أنه كان بإمكانه المقاومة، ومن هنا يبدأ الصراع.
ويشير د.عمرو إلى أنه حيا الأم على شجاعتها؛ لأنها سارعت بإبلاغ الشرطة عن الواقعة، وتم القبض على الجاني، وتقديمه للعدالة ليقتص منه. وكان الضابط الذي ألقى القبض عليه على وعي بما يعانيه الطفل تجاه هذا الجاني؛ فجعله يراه وهو محبوس في السجن؛ بل جعله يفرغ شحنات الكراهية تجاهه من خلال ضربه، وهذا ساعد كثيرًا في عودته طبيعيًا كما كان.
ويقص لنا د.أبو خليل حالة أخرى؛ كان الجاني فيها هو "الجد" الذي أصيب بخرف الشيخوخة، وهو مرض يجعل كبير السن في حالة عدم سيطرة على مشاعره وتصرفاته الجنسية؛ نتيجة لاضطراب الإدراك، وضمور خلايا المخ. ونتيجة هذا المرض قام الجد بالاعتداء الجنسي على 6 من أحفاده لعدة شهور متتالية، ظل هؤلاء الأطفال يعانون حالة من الخوف طيلة هذه الفترة، وبدأ آباؤهم يشتكون من تأخرهم الدراسي، وفقدانهم للشهية، وظهور أعراض اضطراب نفسي عليهم مثل التبول اللاإرادي، وظهور اللزمات العصابية مثل قضم الأظافر؛ الأمر الذي استدعى انتباه طبيبة شابة في العائلة؛ فشكّت في حدوث شيء، فأخذت تجلس مع الأولاد وتناقشهم حتى اعترفوا لها بممارسات الجد معهم، وتم إحضارهم للعلاج، ولكن آباء هؤلاء الأطفال لم يتركوا أبناءهم يكملون الجلسات العلاجية الخاصة بهم، مفضلين التستر على الموضوع حفاظًا على صورة الجد، رغم أن استمرار العلاج لا علاقة له بهذه الصورة.
وحشية عم
نشرت مجلة "لها" اللندنية في عددها رقم "63" قصة إحدى الفتيات مع التحرش الجنسي؛ هذه الفتاة طالبة جامعية تبلغ من العمر 22 عامًا، تقول: كان عمري 8 سنوات، وكانت البداية في حفلة كبيرة في منزل جدي، وكنت ألعب في فناء المنزل مع الأطفال، ناداني عمي، كان عمره 13 سنة، كنت مشغولة، أريد أن أكمل اللعب مع أصدقائي، قال لي: تعالي دقائق فقط، وكان يسكن في غرفة خارجية في الفناء، دخلت الغرفة، وبدأ يتحسس بعض مناطق خاصة في جسدي، لم أكن أفهم ما يفعل، لكنه قال لي: لا تخبري أحدًا.. حدث ذلك 3 أو 4 مرات، وكنت لا أفهم شيئًا، لكني كنت أستجيب له؛ ليتركني أكمل لعبي مع الأطفال المجتمعين في المنزل.
لم أشعر بفداحة ما حدث إلا بعد أن أكملت 19 سنة، كنت أتذكر ممارسات عمي معي وأبكي بشدة، كنت أشعر أنني شاذة عن كل البنات، وكأني عارية تمامًا، خاصة عندما أقابل عمي الذي سافر بعد الحادثة ليكمل دراسته، أمضيت سنوات طويلة أتعذب؛ لأنني كنت أحسبه قد أفقدني مستقبلي، وكنت أرفض أي عريس يتقدم لخطبتي، ولما ضاقت بي السبل، وزادت معاناتي مع حتمية قبولي لعريس أكمل معه نصف ديني صارحت أمي بما حدث، فطمأنتني، وقالت لي: إنه لا إثم علي، وذهبت بي إلى الطبيبة التي أكدت احتفاظي بعذريتي. ولست أدري إلى أي طريق موحش كنت أسير لولا مصارحتي أمي.