أجرى الحوار : مؤيد صلاح اسكيف
ماذا لو خرجت حورية من البحر . . ؟
ماذا لو انسلت أنثى من الحبر . . ؟
لأنها هكذا دوما . . تقف الكلمات على مفترق الطرق . . عارية . . خائفة . . تتسكع ما بين ارتعاشات الليالي وصباحات الكلام, ومن ثم تهرب خوفا على نفسها من مهب الألفاظ , لتختبئ في رحم حبرها . .
هي . . سيدة الرواية شعرا . . سيدة لكل الاحتمالات , سيدة الأحاسيس العابرة للقارات , والانبهار الدائم بلقاء أول . . ووداع أول. .
هي . . سيدة الشعر حبرا . . تصنع منك جثة هامدة للحب دون أن تدري , وتغلق أمامك مطارها كي لا تحاول الإقلاع . . ثم تحيلك إلى براد الذاكرة .
هي سيدة الحب موتا . . إياك أن تمر من بساتينها وحقولها . . إنها ألغام تنفجر شوقا , تنفجر جنونا , ثم تصنع منك لوحة يتيمة , لتغادرك مسافرة نحو مينائها , وأنت تسبح بدهشتك تقضم خيبتك .
فيا صديقي المغامر ( انتبه . . . يمكن لزهرة من الكلام أن تخفي غابة من القتلى )
ولم لا ؟ أليست هي من وجه الصواريخ البالستية تلك التي تحترف الاجتياح . . ؟
ولم لا ؟ أليست هي من أعلن الزوبعة تلك التي تتقن الأعاصير. . ؟
نعم و هذا ما حدث في أول لقاءنا . .
- البداية معك شيء صعب سيدتي . . لذا اختاري البداية . .
- البداية معك شيء جميل سيدي . . لأنك جميل . . لذا أنت من يختار البداية . .
أليس هذا لغما وضعته لك تلك التي تحترف اللغة , وأنت الصحفي الذي يجب أن تكون سيد الألغام . . ؟
ولم لا ؟ فهي التي تقول في روايتها ( فوضى الحواس ) : السؤال خدعة ومباغتة للآخر في سره . . كالحرب تماما . . تصبح فيها المفاجأة هي العنصر الحاسم . .
تلك التي تكشف لك اللعبة الإذاعية التي ينبغي أن تجيب فيها عن الأسئلة , دون أن تستعمل كلمة ( لا ) أو كلمة ( نعم ) .
فتلك اللعبة تناسبها تماما لأنها تقف على حافة الشك , ويحلو لها أن تجيب
( ربما ) حتى عندما تعني ( نعم ) , و ( قد) عندما تقصد ( لن )
فهي تحب الصيغ الضبابية , الملتبسة , والجمل الواعدة , الحالمة , ولو كذبا , تلك التي لا تنتهي بنقطة , وإنما بعدة نقاط . . . . . .
لذا قررت صاحبة الحبر أن تسرق مني سؤالي , لتجبرني على طريقة غريبة في التحاور . . و أسلوب آخر في السرد . . .
هذه هي الحالة التي تركتنا بها بعد انتهاء محاضرتها في الخيمة الثقافية في أرض المعارض على هامش النشاطات الثقافية لمعرض الدوحة الدولي للكتاب , وهذه هي الحالة أيضا التي تركتنا بها بعد إجراء هذا الحوار الجريء . . .
ولكن من هي أحلام مستغانمي ؟
إنها ابنة لشخصية فذة لها تاريخها النضالي الطويل في سبيل حرية الجزائر واستقلاله وليس غريبا أن نرى ذلك في أدبها ورواياتها أيضا .
فوالدها هو محمد الشريف من هواة الأدب الفرنسي وقارئا ذا ميول كلاسيكية معروف بثقافته وقصصه الكثيرة , وقد دخل السجون الفرنسية عدة مرات آخرها عام 1945 حيث بقي عامين , وكان محظوظا أنه لم يلق حتفه مع رفاقه ( حيث قتل حينها 45 ألف شهيد ) وربما كان من حظنا نحن أيضا كي تأتي ابنته أحلام بعد ذلك والتي ولدت بعد لجوء العائلة إلى تونس .
وقد اضطر الأب للعمل في تونس كمدرس للغة الفرنسية لأنه لا يملك سوى تلك اللغة , وهذا ما جعله يصر على تعليم ابنته أحلام اللغة العربية والتي باتت هي بدورها تعلمنا دروسا فيها .
ولا يفوتنا أن ننوه بأن كل أعمام أحلام ( اخوة والدها ) استشهدوا في المعارك ضد الاحتلال وكذلك أبناء عمها اللذين تربيا في كنف والدها ( عز الدين وبديعة ) التي استبدلت الجامعة بالرشاش وهي الحاصلة على الباكلوريا لتوها لتنخرط في الكفاح المسلح .
وهذه الأحداث وغيرها لازالت في ذاكرة أحلام , تخبرنا عنها ولو بطريقة مواربة في رواياتها , وبعد عراك سياسي لوالدها داخل الجزائر بعد الاستقلال انتهى به الحال إلى مرض عقلي أصبح بعده من الضروري المكوث في مصح عقلي تابع للجيش الوطني .
وكانت آنذاك أحلام في سن المراهقة , وحين بلغت الثامنة عشرة عاما وأثناء دراستها الباكلوريا , أصبح عليها لزاما أن تعمل كي تعيل أسرتها فدخلت الإذاعة لتقدم وتعد برنامجا شعريا يوميا من كل مساء تحت عنوان ( همسات ) وقد لاقى برنامجها نجاحا كبيرا .
وتخرجت أحلام سنة 1971 من كلية الآداب في الجزائر ضمن أول دفعة معربة في جامعات الجزائر .
ومن ثم اتجهت أحلام إلى باريس وبعدها حضرت لشهادة الدكتوراه في جامعة السوربون , كما كانت تكتب هناك في عدة صحف ومجلات ومن ثم أنتجت أعمالها الروائية على دفعات , ذاكرة الجسد , ومن ثم فوضى الحواس , وأخيرا عابر سرير .
بما أن لك كل هذا الانتشار . . . كيف تتعاملين مع قرائك ؟
إنها معجزة الكتابة , فكيف تكون لك كل هذه الشعبية دون سيف أو سلطة ؟ إنها نعمة حقا , وهذا الإحساس الجميل لا يزيدني إلا تواضعا أمام القارئ , فالكاتب تقاس موهبته بتواضعه , فليس من الممكن أن يكون الكاتب مغرورا ومترفعا عن اللذين يكتب لهم , وقد أدهشتني مشاعر الناس في كل الاماكن التي ألتقيهم فيها سواء في الشارع أو في المعارض أو المحاضرات .
فالأسلوب الذي أعتمده في كسب القارئ هو الإغراء خصوصا إذا لم يقتنع بك أو كان يشكك بك ( تضحك ) فأنا أشهر كل أسلحة الدمار الشامل
لكن كيف تفسري غيرة البعض من الكتاب بأنك أخذت أماكنهم . . . ؟
( نقوللك بصراحة ) إني أشعر تجاه هذا الموضوع بعقدة الذنب لأني أخذت الكثير من مساحة الآخرين , وبأني ظلمت كتابا آخرين , فعوضا عن أن يقوم القارئ بجهد البحث عن كتاب جديد أصبح لا يغامر . . . فهو يتجه نحو الكتاب الذي يعرفه أو سمع به .
وسبق فيما مضى حينما كنت على LBC اللبنانية في برامج صباحية عن الأدب أن بكيت وأنا أعتذر للكتاب أن يسامحوني , وأقول للقراء أتمنى أن تقرؤوا لكتاب آخرين , فهذه الأضواء المتجهة نحوي كثيرة علي , فثمة من أكثر مني موهبة , و ربما هذا ما خلق لي الأعداء والأصدقاء معا , و أدخلني في حروب
عديدة , لكني دوما كنت أبحث عن المعارك الشريفة النبيلة المملوءة بالأدب وليس قلة الأدب , وحينما ألجأ إلى الصمت كان يفسر بالضعف لأنهم لا يدركون بأنه القوة ذاتها .
وهناك مقولة للفنان يوسف شاهين بأن المبدع العربي يقضي 20% من وقته في الإبداع و 80 % منه في الدفاع عن هذا الإبداع . . . إنها مصيبة أن تتفاوض مع الرقيب ومع الموزع ومع المزور لأعمالك .
بمناسبة الحديث عن الرقيب , كيف تتعاملين مع الرقابة ؟
( تضحك ) أتفوق على شيطنة الرقباء , فالكاتب الناجح هو سارق محترف يعرف كيف يتعامل مع الرقيب ولا يقع في فخه , أما اللص الصغير فمن السهل أن يقع في الشرك .
وماذا عن أعمالك المزورة ؟
للحقيقة أن أعمالي مزورة في أكثر من بلد وهي منسوخة كما تنسخ الأشرطة بقصد الربح , وأنا لا أدافع عن حقوقي في الطبع وإنما عن حقوق القارئ الذي تسرق أمواله , فثمة دار للنشر أتت من الخارج إلى معرض الدوحة للكتاب وتبيع كتابي بمبلغ كبير قياسا مع السعر الحقيقي لكتابي وهذه النسخة مزورة , والخاسر الأكبر هنا هو القارئ , ففي فلسطين يباع كتابي بتسعة دولارات ! أليس هذا حراما ؟ فالمواطن الفلسطيني فقير و مهدورة حقوقه . ( تضيف . . عيب أن أقول هذا الكلام ) لكن جزء من دخلي لمساعدة الفلسطينيين , وأجازف بأمني وباسمي مقابل هذا , لأني أقول لا يمكن أن تدافع عن قضية ولا تدفع ثمن موقفك . . . فكيف أكتب عن القضية الفلسطينية وأكسب مال مقالي الأسبوعي مقابل هذه القضية ولا أدفع مبلغ للفلسطينيين ؟ أكون قد استغليتهم . . !
( لكن وللأسف لا أعرف أن كان لديك الشجاعة أن تدون هذا الكلام ) فالبنوك الفلسطينية تسرق الإنسان الفلسطيني , والمطابع الفلسطينية تسرق القارئ الفلسطيني . . . ! هل يمكن أن أحب هؤلاء الناس أكثر مما يحبهم أبناؤهم . . . ؟
حينما طلبوا منك أن تهدي كتبك الى الصحفيين لماذا رفضت ؟
أنا لا أهدي كتابا لأحد . . . فقط للقراء . . . فالكتاب الذي يهدى لا يقرأ , وحدث أن طلب مني أن أهدي كتابي لنزار قباني لكني رفضت – وهل هناك أكثر من نزار – وذلك لأني استحيت أن أفرض كتابي على أحد كي يقرأه . . . فهناك كتب تهدى وتترك في الفنادق , وحدث أن رأيت هذا في أحد المؤتمرات, تصور كم أهينت هذه الكتب ؟ فهناك كتاب لا يقرؤون لبعضهم البعض حتى .
أما من يحاول أن يهديك كتابه لتقرأه , فهو يعني بذلك أن يقول خذي كتابي اقرأ يني فأنا أشبهك . . . اكتشفيني .