كنسيم صباح ربيعي، كهواء عليل يهب كل صباح نستنشق عبيره الجذاب، كنحلة تتنقل من وردة إلى زهرة، تنطلق نسمة بخطوات خفيفة رشيقة كل صباح تعبر الشارع تحت أنظار المعجبين لتختفي وسط زحام المدينة المكتظة بالمارة ، فيختفي الطيف الجميل ويبتعد إيقاع الخطوات الرنانة إلى أن يتلاشى.
يودع عمر نسمة ككل صباح ليتوجه إلى بيته بخطوات متثاقلة بعد ليلة طويلة قضاها في العمل المضني.
تعمل نسمة في شركة كبيرة بضواحي مدينة الدار البيضاء ، بينما يشتغل عمر عاملا مؤقتا في انتظار حلول موعد الإبحار إلى أوروبا.
لم تشفع له السنين الطويلة التي قضاها في الدراسة ولا الإجازة التي حصل عليها بامتياز في الحصول على الشغل الذي يحقق طموحه وأحلامه.
أحب نسمة من سنتين وتواعدا على الزواج وتنازلت نسمة عن طلبات كثيرة تطمح لها كل فتاة حتى تسهل على عمر توفير الحد الأدنى لتحقيق حلمهما بفتح بيت وإنشاء أسرة.
لكن لا أمل في إيجاد عمل و لا في تحقيق الحلم في بلد يعيش فروقا طبقية كبيرة ولا يجد فيه الخريج عملا يحقق فيه حدا أدنى من العيش الكريم.
يعيش عمر حالة انتظار وتأهب على أمل حلول موعد الإبحار عبر الأبيض المتوسط تاركا وراءه القارة السوداء والحظ العاثر الأسود لمعانقة محبوبته أوروبا حيث العمل والمال والسيارة والعيون الزرقاء...
لا لا!!! لن تغنيه عيون أوروبا عن عيون نسمة العسلية، سيكسر الحواجز التي تقف دونه و أوروبا من اجل حبيبته.
انتظرت نسمة حولين كاملين على أمل تحقيق حلمهما لكن السنين تمر والبطالة تزيد استفحالا وعمر تكثر مشاكله وكلما تقدم خطوة إلى الأمام رجع خطوتين إلى الخلف.
لم يكتفي عمر بشرب السيجارة فتعاطى المخدرات عله ينسى ماهو فيه.
تمر السنين والعمر يتقدم بنسمة وتذبل كل يوم وتقترب من الخط الأحمر فتجد نفسها دخلت عالما آخر وزمانا آخر اسمه العنوسة..
لقاء عمر ونسمة ككل سبت يكون بالحديقة العمومية يتبادلان أطراف الحديث ويناقشان المستقبل القريب البعيد.
كان السبت الأخير مختلفا عن كل الأيام..
جاء عمر بالبشرى سيتحقق الحلم بالسفر إلى ما وراء البحر وكان لابد أن يحتفل مع نسمته بالخبر الجميل.
لكن كيف يقنعها أن الحل جاء على يد الايطالية مارغريت ؟
لابد من عقد زواج يمكنه من الحصول على الفيزا ..
بكت نسمة وولولت وانهارت أعصابها عند سماع الخبر الفاجعة
لكنه عقد زواج ابيض...
هل سمعتم يوما بزواج ابيض؟
هكذا يسميه المهاجرون الذين يودون الحصول على فيزا لأروربا ولعقد الزواج الأبيض هذا ثمن باهظ قد يصل إلى 5000يورو...
يجب على الحبيبة أن تدبر المبلغ لتساعد حبيبها على عقد الزواج على مارغريت.
أمل عمر أصبح بيد مارغريت وعلى نسمة أن تدبر المبلغ ...
ترك عمر الشغل الليلي ليتفرغ لجمع ما يلزم من أوراق للزواج الأبيض والسفر .
لم يخفف هذا الخبر من قلق عمر بل زاده توترا ، مزيد من تناول المخدرات قد يساعده على النسيان
باعت نسمة ما تملك من حلي وذهب واقترضت من الشركة المبلغ المكمل لخمسين ألف درهم وتسلم
الوسيط المبلغ في انتظار حضور مارغريت.
ويمر الشهر الأول والثاني وتمر الأيام على عمر كأنها سنين ولم تأت بنت السلطان...
والوسيط ابتلعته الأرض بعدأن قَدمت بشأنه شكايات بالنصب والاحتيال
انهارت نسمة وضاع الأمل المنشود...
ولم يتنازل عمر عن هدفه ورغبته في الهجرة .
لابد أن يرد لنسمة نقودها ويرد إليها الأمل والبسمة ويحقق لها الحلم الذي وعدها به
لابد أن هناك حل في مكان ما
القوارب !!!!!!!!! لم لم يفكر في القوارب من قبل؟
وجد الحل أخيرا
لكن قوارب الموت هي الأخرى ليست دون مقابل .
لن يجد غير الأم الحنون، وحدها تعطيه المال اللازم .
تدبر عمر المبلغ وكان هذه المرة حريصا على أن لا يسلمه للوسطاء النصابين لابد أن ينجح هذه المرة
ولن يكرر الغلطة.
وتم تحديد يوم الهجرة..
كان آخر سبت مع نسمة بالحديقة العمومية يعدها بالوصول إلى أوروبا .. يعمل ويجمع المال ليرجع و
يقيم عرسا لم يسبق لأحد بالحي أن أقامه ...ويأخدها ويعودان إلى حيث السعادة.
ودع نسمة وكله أمل أن يحقق لها الحلم الجميل.
ساااااااااااااااااااافر عمر
وظل التلفون تحت وسادة نسمة يرفرف قلبها على أية رنة علها تطمئن على وصوله إلى شاطئ النجاة
رن التلفون مرات عديدة ولم يسمع منه صوت عمر.
أفاقت ذات صباح على صراخ وعويل في الحي فتطلعت للخارج لتجد أم عمر باكية نادبة حظها ...
وضاع الأمل واسودت أوروبا في عيون الأم والحبيبة.
أوروبا هل أنت حلم منام أم حقيقة رفاه أم مصيدة أجيال؟
تبا للفقر والذل والعجز، بلادنا تيجان ملوكها الغابرين في متاحفهم وشبابنا أجسادهم المستهلكة تحت أرضهم
أو في قيعان محيطاتهم.
اين يكمن الخلل؟ هل في اغراء اوروبا؟ ام في فشل المجتمع في توفير الحد الادنى من العيش الكريم
لابنائه
كان حضن نسمة الحلال أقرب اليه من ظلام اوروبا لو انه وجد العمل في بلده !لكنه ما كان سيمنع القدر
عن عمر.
انها وقفات تتكرر وشباب يغرر
مع التحية.... الراوي: ذاكرة قيعان البحر المتوسط وحكايات قواربه البائسة