ان المتأمل في واقع ممارسة النظام التعليمي الرسمي وغير الرسمي على حد سواء ، يلمس وبمجرد المشاهدة غلبة آلية ونمطية واحده وهى تقديس الدرجة والبحث عن الشهادة ولو على حساب تربية الإنسان السوي الذي يمتلك من المهارات الحياتية ما يؤهله لكي يكون فاعلا في مجتمعه حريصا على خدمة نفسه ومتفانيا فى خدمة أمته ودينه .
• اننا وببساطة شديدة أمام نظام أصابه الخلل فى بنيته التحتية وانعكس الخلل على أرجاء المنظومة ونتج عنه كل ما نحن فيه من مشكلات على مستوى الجامعة وما بعد الجامعة . اننا نعرض فى تلك الورقة لمحور هام لو تم الاهتمام به بشكل فاعل وبشكل متوازى مع أصلاح بقية المحاور فى منظومة التعليم لكانت النهضة الحقيقية ولكانت متعة التعلم هى الغالبة والسائدة فى مجتمعاتنا التعليمية والتعلمية على المستوى العربي .
• ان وجود شعار يتمثل فى ( التربية والتعليم ) لدى معظم الدول العربية ويتضمن فى ما يصاغ ويعلن عنه فى المنتديات الرسمية وغير الرسمية ، إضافة الى كون المقررات الدراسية تزدحم بكل المفردات التى تعبر صراحة عن رغبة صريحة فى تنمية الوجدان والانتماء والمواطنة وغيرها من المفردات ذات الطابع الوجداني . وعند التطبيق على أرض الواقع نجد ان تلك المنظومة الوجدانية الورقية باتت فى طى النسيان فى ظل ممارسات إدارية وتدريسية ومعاملات غلب عليها طابع المصلحة ، وبمجرد المشاهدة لما يدور داخل المؤسسة التعليمية تجد الجميع يلهث وراء حفظ نص أو حل مسألة بشكل نمطى أو حل اختبار قبل موعد الامتحان ، والكل يراهن على كم من الدرجات سيحصل عليها التلميذ وان قل عمره وكان فى مرحلة الروضة . اننا امام مشكلة حقيقية وداء استشرى فى أوصال مجتمعاتنا العربية وبخاصة فى ساحاتها التعليمية ، نراه كضوء الشمس فيما يحدث فى مدارسنا بالتعليم العام وبخاصة مرحلة الثانوية العامة والتى يعلن ولى الأمر الحداد على المؤسسة التعليمية ( المدرسة ) مع نهاية شهر يناير من كل عام وتبحث عن الطلاب فى رواق الصفوف فلا تجد من مجيب سوى صدى صوتك ولا حول ولا قوة إلا بالله ضاعت المدرسة ولم يعد لها حضور ، واذا اردت الطالب عليك أن تبحث عنه فى حجرة مغلقة داخل منزله وقد انكب على الملخصات والكتب الخارجية ومراجعات آخر العام لكى لا يفوته سؤالا لم يحفظه وهكذا تقول التوقعات .
• اين المعلم فى تلك المرحلة وما دوره ؟ انه يراجع هو الآخر ويبحث عن لقمة العيش والتنافس مع الزملاء لمن ستكون له الغلبة فى عدد رواد سنتر المراجعات ، أو نسبة الدروس على المستوى الفردى والجماعى .
• لنعود إلى موضوعنا الأساسي وهو التربية الوجدانية البعد الغائب فى نظامنا التعليمي تدريسا وتقويما وممارسة ، وتعالوا معي نشير الى حقيقة هامة تتمثل فى غياب الخطاب النفسي العلمي التربوي السليم والذي يشير اليه الدكتور عبد الحميد أبو سليمان في كتابه ( أزمة الإرادة والوجدان ) حيث يقول ( ص 18) إن غياب الخطاب النفسي العلمي التربوي الذى لابد منه لبناء نفسية الطفل قد أدى إلى خلل فى تكوين البعد النفسي الوجداني لدى الطفل المسلم ، مما جعله ينموا إنسانا بالغا مفتقدا لدفع البعد الوجداني الفعال اللازم لتحريك الطاقة ، وبذل الجهد ، وتوفير الأداء الايجابي ( الارداة ) الذي يعد شرطا ضروريا لتملك القدرة على التصدي للتحديات التي تواجه الأمة والمجتمع بشكل فعال .
• ويشير الدكتور عبد الحميد فى موضع آخر ( ص 204) الى ان مجتمع القهر والإرهاب والاستبداد هو مجتمع التفرد والتسلط الذي ينتفي فيه دور الآخر ومشاركته ، ويستبد فيه كل فرد بمن هو دونه ويستعبده ، فكل فرد له نفسية العبد ، وهو مصاب بداء الخنوع لمن هو أقوى منه ، وفى الوقت نفسه بما يعانيه من المهانة والخسف ، إذا اقتدر كان بحكم ما ألف نخاساً وطاغية على كل من هو دونه وأضعف منه ، ولا يربط على وجه الحقيقة بين أبناء مجتمع العبيد تكافل ولا تعاون ، ولكنها فردية وأنانية وتلهف على المنافع ، وتفان فى التبعية ، والخضوع والاستبداد ، فى سلسلة لا تنتهى إلا عند السيد الأكبر والطاغية الأعلى الذى يعبد ذاته ، ويخضع بدوره للسيد القوى الأجنبي، ويستسلم بدوره لإرادته ولقهره والتسليم لأطماعه ، وحرصا منه على ذاته ومصالحه وملذاته لا يبالى بأن يفرط فى سبيلها بمقدساته وحقوق أمته .